إثيوبيا: نموذج أفريقي للاستقلال الغذائي - ENA عربي
إثيوبيا: نموذج أفريقي للاستقلال الغذائي

في قارة غالبًا ما تُصوَّر على أنها تعتمد باستمرار على المساعدات، تُعيد إثيوبيا صياغة المشهد. تشقّ هذه الدولة الواقعة في شرق أفريقيا طريقها الخاص نحو الإنتاجية الزراعية والسيادة الغذائية
على مدار السنوات الست الماضية، شرعت الحكومة الإثيوبية في سياسات جريئة لتعزيز الإنتاجية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي. تُرسي هذه المساعي أساسًا راسخًا لضمان الاعتماد على الذات على المدى الطويل. والأهم من ذلك، أنها تعكس التزام إثيوبيا بالتحرر من التبعية وتعزيز التنمية المستدامة
لقد أثبتت إثيوبيا قدرتها على تحقيق قصص نجاح لافتة، عبر تحولها الجريء نحو الابتعاد عن الاعتماد على الدعم الخارجي. هذا الإنجاز الكبير لا يُدحض الشكوك والانتقادات الموجهة سابقًا لإنتاجيتها وبياناتها فحسب، بل يؤكد على إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي، لترسم بذلك مسارًا جديدًا للمنطقة.
على مدار السنوات السبع الماضية، نفذت الحكومة الإثيوبية عددًا من البرامج الاستراتيجية التي
تهدف إلى القضاء على الجوع وتعزيز النمو الاقتصادي
واهمها:
ثورة القمح - من الاستيراد إلى الاكتفاء الذاتي
بعد أن كانت إثيوبيا تستورد القمح بما يقارب مليار دولار أمريكي سنويًا، أصبحت الآن أكبر دولة منتجة للقمح في إفريقيا. المشاريع الضخمة لري القمح خلال موسم الجفاف، التي أطلقها رئيس الوزراء آبي أحمد، لم تُغير فقط قدرة البلاد على الصمود الغذائي جذريًا، بل جعلت إثيوبيا أيضًا مُصدّرًا صافيًا للقمح لأول مرة في تاريخي.
ولهذا السبب، تحظى إثيوبيا حاليًا بتقدير المنظمات الدولية، مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، لجعلها إنتاج القمح ركيزة أساسية في سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. ومن خلال التوسع في الزراعة المروية، واستخدام أصناف مُحسّنة من البذور، واعتماد تقنيات الزراعة الحديثة، حققت البلاد زيادة ملحوظة في إنتاج القمح والفائض القابل للتسويق.
كما أكد رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد بنفسه أن إثيوبيا قد تجاوزت مكانة أكبر دولة منتجة للقمح في أفريقيا، حيث يزيد عن إنتاج مصر ثلاث أضعاف . هذا الإنجاز يُعد دليلاً على السياسات الزراعية الاستراتيجية للبلاد والتزامها بالتنمية الاقتصادية.
أشادت شخصيات عالمية بارزة، بما في ذلك بيل جيتس، ورئيس بنك التنمية الأفريقي، وأكينومي أديسينا، وآخرون، بالإنجازات الزراعية الرائعة لإثيوبيا، ولا سيما نجاحها في زيادة إنتاجية القمح. وسلطوا الضوء عليها كنموذج للتنمية المستدامة في أفريقيا.
لم يكن تكريم منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لرئيس الوزراء آبي أحمد العام الماضي مجرد لفتة لجهود إثيوبيا في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. بل هو اعتراف دولي قوي بقائد ألهم شعبه للسعي نحو الأمن الغذائي من خلال المرونة والتنمية المستدامة.
كما أشاد كيو دونغيون، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، بهذا الإنجاز، واصفًا إياه بأنه نجاح مميز، إذ يأتي في خضم تحديات وطنية وإقليمية وعالمية
اما مبادرة الارث الاخضر المحفز للسيادة الغذائية في إثيوبيا
تُعدّ حملة بيئية طموحة أطلقها رئيس الوزراء آبي أحمد عام 2019، المحركات الرئيسية لمساعي إثيوبيا نحو التحول نحو السيادة الغذائية، وتهدف إلى زراعة مليارات الأشجار في جميع أنحاء البلاد ليس فقط إلى مكافحة إزالة الغابات وتغير المناخ، بل أيضًا إلى دعم الزراعة المستدامة وسبل العيش الريفية.
وقد زرعت إثيوبيا حتى الآن أكثر من 40 مليار شتلة، العديد منها من أنواع الفاكهة مثل الأفوكادو والمانجو والبابايا. هذا التركيز الاستراتيجي على الأشجار الصالحة للأكل يعزز الأمن الغذائي، ويحسّن التغذية، ويدرّ دخلاً للمجتمعات الزراعية.
لذا، فإن مبادرة الإرث الأخضر تتجاوز كونها مجرد مشروع. إنها تُحدث ثورة حقيقية في إثيوبيا، بتحويل الأراضي القاحلة إلى سلال خبز، وتغيير مفهوم الهشاشة إلى الاكتفاء الذاتي والقدرة على الصمود.
بالنظر إلى جميع الجوانب، تُحوّل إثيوبيا ماضيها الكئيب، الذي كان يُصوّر كدولة تعاني من الجفاف والكوارث الأخرى، إلى دولة تنمو اقتصاديًا.
وهناك ايضا خير السلة
وهي من المبادرات الوطنية الناجحة الأخرى الجديرة بالذكر، التي تهدف إلى زيادة إنتاج الغذاء وضمان الأمن الغذائي على مستوى الأسرة والمستوى الوطني. أُطلق البرنامج عام ٢٠٢٢، ويهدف بشكل رئيسي إلى زيادة إنتاج الأسماك والألبان والبيض والدجاج والعسل.
وقد حقق البرنامج تقدمًا ملحوظًا في ارتفاع إنتاج هذه الأغذية الأساسية. عند إطلاق البرنامج، كان عدد الحيوانات المُربّاة في البلاد حوالي ٥٠٠ ألف رأس سنويًا. واليوم، توسّعت جهود التلقيح الاصطناعي في البلاد بشكل كبير، حيث وصل عددها إلى ٣.٨ مليون رأس، وتطورت تربية الأسماك لتصبح فرصة عمل مستدامة، حيث قام كل من المزارعين وسكان المدن بإنشاء أحواض أسماك وتربيتها. اما الحليب والدجاج والعسل فشهد ارتفاعًا كبيرًا، ارتفع إنتاج لحوم الدجاج، الذي كان يبلغ 70,000 طن، إلى 208,000 طن بحلول عام 2024، بينما ارتفع إنتاج الحليب من 7.2 مليار إلى 10 مليارات لتر في نفس الفترة الزمنية. بالإضافة إلى ذلك، قفز إنتاج العسل من 128,000 طن إلى 272,000 طن.
لم تُحسّن هذه المبادرة الإنتاجية فحسب، بل مكنت الحكومة أيضًا من تحديد الموارد المتاحة بشكل أكثر فعالية ومعالجة مشكلات التوزيع الرئيسية.
بفضل جهود رئيس الوزراء آبي أحمد، تعمل إثيوبيا بنشاط على تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتساهم أيضًا في تحقيق طموح القارة الأوسع نحو الاعتماد على الذات. من خلال تعزيز المرونة، وتقليل الاعتماد على الغير، ووضع أسس النمو المستدام، تبرز كنموذج للتحول الزراعي في أفريقيا
يثبت هذا بوضوح أن ضمان الاكتفاء الذاتي الغذائي يمثل حجر الزاوية في الاستراتيجية الوطنية لإثيوبيا، وله آثار كبيرة تتجاوز حدودها. من خلال تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي، لا تحمي إثيوبيا نفسها من اضطرابات سلسلة التوريد العالمية فحسب، بل تقدم أيضًا مثالًا قويًا على كيفية سعي الدول الأفريقية إلى تحقيق الاستقلال الزراعي. الأهم من ذلك، من خلال إعطاء الأولوية للزراعة المستدامة والحلول المبتكرة، تُظهر إثيوبيا أيضًا أن أفريقيا لديها القدرة على إطعام نفسها ولديها القدرة على ضمان مستقبل مزدهر وآمن غذائيًا للأجيال القادمة.
لقد قطعت إثيوبيا خطوات ملحوظة في تحسين قدرتها على مواجهة حالات الطوارئ الناجمة عن الكوارث الطبيعية والبشرية. وفي هذا الصدد، يتزايد احتياطي الغذاء الاستراتيجي للبلاد، مما يسمح لها بتلبية احتياجات الملايين بفعالية أثناء حالات الطوارئ.
بالإضافة إلى ذلك، تنتهج البلاد سياسة استراتيجية طموحة تهدف إلى تقليل الاعتماد على المساعدات من خلال تعزيز قدراتها الداخلية على التدخلات الإنسانية.
لا تسعى إثيوبيا فقط لتحقيق الأمن الغذائي، ولكن أيضًا للسيادة الغذائية، مدركة أنه بدون السيادة الغذائية، لا يمكن أن توجد سيادة حقيقية. وهذا مهم بشكل خاص في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي الحالي، حيث غالبًا ما تستخدم صراعات القوة الغذاء كسلاح، مما يؤدي إلى إخضاع الدول في هذه العملية.