أبي أحمد الزعيم المُلهم في المنطقة يقارب الآباء المؤسسين من قبيل نكروما ومانديلا

121

أديس أبابا

11 يوليو 2018

 

 
تقرير: بهاء الدين عيسى
لم تكن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى أسمرا زيارة عابرة بأي حالٍ من الأحوال، بل كانت زيارة تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، زيارة رئيس الوزراء الشاب كانت إيذاناً بأن يتغنّى الجُنُود ويطلقون صافرات الاستحسان ولسان حالهم يقول "وداعاً للسلاح".. عشرون عاماً تماوجت فيها علاقة الجارتين اللدودتين بين ذرى حرب ساخنة وأخرى مشحونة بالتّوتُّر على نسق "الحرب الباردة" ذائعة الصّيت.. الجميع شهدوا الابتسامة وقد ارتسمت على وجه الرئيس الإريتري أسياس أفورقي المشهور بصرامة قسماته.. في المُقابل لم يألُ أبي أحمد جهداً في إشاعة أجواء مُفعّمة بالأمل 
الرجل المُلهم
كثيرون باتوا ينظرون إلى رئيس الوزراء المولود في منطقة أغارو بمدينة جيما كالمُخلص، ولا تقتصر تلك المسألة على مُواطني بلاده وحدهم، بل تعدّتهم ليصبح الشاب المُمتلئ بالحيوية والنشاط إلى شئ أقرب للأيقونة. 
فأبي أحمد دخل التاريخ من أوسع أبوابه في القارة الإفريقية، بل صار الزعيم المُلهم في المنطقة يقارب الآباء المؤسسين من قبيل نكروما ومانديلا وغيرهما، نتاج الاختراقات التي نجح في تجاوزها والقضايا المُعقّدة التي فشل سلفه في حلها، رغم أنه التحق بالنضال المُسلّح في سن مبكرة العام 1990م مع رفاقه في الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، إلا أنه صار على قناعة بأن الحُلُول السّلمية هي الحَل النّاجع لكل القضايا.
البعض يرى أن أبي أحمد في طريقه لنَيل شَعبية كبيرة قد تُضاهي الأسطورة مانديلا، لكن السؤال هل يفلح رجل المخابرات فيما يطمح إليه في ظل المُتغيِّرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة القرن الافريقي؟ 
نقاط القوة
بلا شك أنّ هذه التجربة العسكرية خاصةً في مجال الاستخبارات والمَعلومات مثلت احدى نقاط قوة الرجل داخل المُؤسّسة العسكرية، التي تتولى الآن عملية الطوارئ في البلاد
وكان نُبُوغه في العمل الاستخباري وجمع المعلومات وتحليلها، كما يقول مُتابعوه، سبباً في التحاقه بجهاز المُخابرات بقوات الدفاع الإثيوبية ()
خطوات مُتسارعة
المُحَلِّل في شؤون القرن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس يُشير إلى أن خطوة أبي أحمد وزيارته إلى أسمرا حملت جرأة كبيرة بعد العداء الذي استمر لنحو 20 عاماً، ويعتقد أن وتيرة تطورات علاقات إثيوبيا وإريتريا منذ إعلانه قبل شهرين نواياه في طَي الخلافات شهدت حراكاً مُتسارعاً، حيث أعلن البلدان أمس الأول إعادة التمثيل الدبلوماسي وفتح الحدود، بجانب حرية التنقل والتعاون الاقتصادي والسياسي، أي أن العلاقة بسُرعة البرق تحوّلت من عداءٍ الى تعاونٍ مما سيثمر على نقلة كبيرة نحو علاقات استراتيجية..
أمن البحر الأحمر
كما نبّه إلى أن أمن البحر الأحمر بمثابة هدفٍ مُهمٍ لكبريات الدول التي تتّخذ من هذه المنطقة نقطة للقواعد العسكرية التي تنتشر لعدد من الدول، بينها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والصين واليابان، بجانب الإمارات العربية المتحدة.. ويقول أبو إدريس إنّ 50% من قوات حفظ السلام في العالم تُوجد في هذه المنطقة التي تشهد نزاعات وحروبات طاحنة.. ويشير الخبير في شؤون القرن الإفريقي أن التحالف الإريتري الإثيوبي سينعكس أيضاً على جُغرافيا المنطقة ودول الجوار
إنهاء حالة العداء
في أسمرا وقف الآلاف من الإريتريين على جانبي الطُرق لتحية ضيف يمثل دولة كانت بالأمس القريب هي العدو الأول لبلدهم، بعدما قرّر رئيس الوزراء الإثيوبي القيام بالخطوة الأولى لطي صفحة الماضي وإنهاء حالة العداء التي استمرت 20 عاماً
عودة تاريخية للتّوتُّرات
وشهدت العلاقات بين إثيوبيا وإرتيريا عداءً طويلاً تخلّلها حروب حدودية.. فقد شهدت الدولتان صراعاً في مايو 1998 عُرف باسم "حرب بادمي" إشارة إلى مثلث بادمي الحُدودي الذي يضم ثلاث مناطق "بادمي وتسورنا ويوري"
وفي مايو 2000، اندلعت مُواجهة ثانية بين الطرفين، خلّفت نحو مئة ألف قتيل من الجانبين وآلاف الجرحى والأسرى والنازحين وأنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولار.
وفي يونيو 2000، تَمّ توقيع اتفاق بالجزائر لوقف الأعمال العدائية وإحالة النزاع إلى التّحكيم وأُنشئت مفوضية لترسيم الحُدود بين الطرفين ويكون قرارها نهائياً ومُلزماً للجانبين.
انفراج الأزمة
في أبريل 2018، ظهرت بوادر انفراج للأزمة بعد أن أعرب رئيس الوزراء الإثيوبي، عن رغبته بإعادة العلاقات مع إريتريا، كما أعلن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا من جانبه مُوافقته على تنفيذ اتفاقية الجزائر.
واستقبل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الضيف الإثيوبي في المطار بالعناق، في مشهدٍ لم يدر بمخلية أكثر المُتفائلين في البلدين.
إنهاء أطول قطيعة
وينهي اللقاء أطول قطيعة بين دولتين في القارة السمراء بلغت نحو عقدين من الزمن، بينما يتطلع العالم إلى تطبيع العلاقات بين أسمرا وأديس أبابا نظراً لأهمية ذلك في دعم الاستقرار بالمنطقة.
تمثل زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى إريتريا خطوة تاريخيّة في مسار "تصفير النزاعات" مع دول الجوار من أجل إعادة تَشكيل شرق إفريقيا على أساس من التّعاون بعد عُقُودٍ من العَدَاء والاضطرابات.
وتضع الزيارة حَدّاً لواحدة من أطول التّوتُّرات في القارة الإفريقية، إذ استبقها رئيس وزراء إثيوبيا بقوله إنّه مُلتزمٌ ببنود اتفاقية سلام بين البلدين، وإنّه مُستعدٌ لتسوية النزاع الحُدُودي، في خطوة رحّبت بها إريتريا.
تكسير الجليد والحرب الباردة
ويقول الخبير في الشأن الإفريقي، هاني رسلان، لـ "سكاي نيوز عربية" إنّ "زيارة أبي أحمد إلى أسمرا تمثل تسارعاً هائلاً في عملية التقارب مع إريتريا لتكسر الجليد والحرب الباردة بين البلدين منذ انتهاء الحرب الفعلية العام 2000
حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية منذ ذلك الحين، إلا أنّ لأسمرا وفداً دائماً في أديس أبابا يمثلها في الاتحاد الإفريقي، الذي يقع مقره بالعاصمة الإثيوبية
التأثير الإقليمي
ويضع رئيس الوزراء الإثيوبي بلاده على مسار تأكيد دورها الإقليمي بشكلٍ أكثر فعالية وإيجابية عبر إنهاء النزاع مع إريتريا.
وبحسب رسلان: "لا تُوجد مصلحة أكبر من إنهاء حالة حرب استمرت لثلاثة عُقُودٍ وأفقدت المنطقة الاستقرار اللازم من أجل التنمية والازدهار. 
وإضافةً إلى ذلك، تطرح أديس أبابا نفسها قائداً لعملية الاستقرار في منطقة شرق إفريقيا، فقد قامت بأدوار وساطة لحل نزاعات داخلية بالسودان، وبين شماله وجنوبه، إضافةً إلى كونها قوة مُهمّة في مكافحة الإرهاب بالقرن الإفريقي، خَاصّةً حركة الشباب الصومالية.. وسيكون لهذا الدور أهمية أكبر مع إنهاء الخِصَام الإثيوبي الإريتري، موفراً دعماً إضافياً لدول المنطقة من أجل مُواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية .

وكالة الأنباء الأثيوبية
2023