زيارة الى مسجد النجاشي

زيارة الى مسجد النجاشي

مقال

الصحفي: حسين جبيهو

أديس أبابا

25 يناير 2019

   في بداية الدعوة الاسلامية بواسطة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة وقفت قبيلة قريش في وجه الدعوة وفرضت كل أنواع الحواجز للحيلولة دون انتشارها إلا ان الدعوة الاسلامية  أخذت تنتشر اكثر فأكثر وزاد إقبال الناس عليها ولم يكن أمام القريش خيار أخر إلا استخدام القوة لمنع انتشارها وتعرض الكثيرون من المؤمنين لأذى  صناديد قريش وصنوف العذاب والاضطهاد من تعذيب وتقتيل وتجويع وحصار  ، وخاصة العبيد منهم والفقراء وعندما ضاقت الارض  بهم بما رحبت أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى الهجرة فرارا بدينهم  ورغبة في الحصول على حرية الدين والاعتقاد بعيدا من أجواءالمضايقة والعنف ووقع الاختيار على الحبشة للهجرة الاولى لاسباب مختلفة منها ملك الحبشة العادل الذي وصفه الرسول قائلا

إنَّ بأرض الحبشة مَلِكاً لا يُظلَم أحدٌ عنده، فالحقوا ببلادِهِ حتّى يجعلَ اللهُ لكُمْ فرَجاً ومخرَجاً ممّا أنتُمفيه).
ووصف ارضه بأرض صدق   والسبب الاخر لاختيار الحبشة كملجئ للمسلمين كون الأحباش متعاطفين مع المظلموين  والمطهدين حيث برز ذلك جليا في نصرة جيش الحبشة نصارى نجران على ظلم يوسف اليهودي بالاضافة إلى الحضارة التي تتمتع بها اثيوبيا حينها من ازدهار واستقلال في فترة مملكة اكسوم

وهاجر مسلمو الاوائل إلى الحبشة مرتين ولذلك تعرف اثيوبيا بأرض الهجرتين وفي الهجرة الاولى كان عدد المهاجرين أحد عشر رجلاً وأربع نسوة وعلى راسهم عثمان ابن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الهجرة الثانية هاجر اكبر عدد من المسلمين إلى الحبشة وكان عددهم في المرة الثانية تسع عشرة امرأة وثلاثة وثمانين رجلاً، وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله وستقبلهم الصحامة النجاشي بحفاوة ومنحهم كل الحريات من العيش والتنقل وممارسة العبادات . إلا ان لزعماء قريش لم يرتاح لهم بال حتى يستعدوا المهاجرين من الملجأ وبذلوا كل ما بوسعهم لتحقيق ذلك باستخدام الوساطة والرشاوي ولاكن ملك العادل لم يقبل منهم  ذلك .

ويعتقد المسلمون إن هذا الملك اي أصحمة النجاش ملك مملكة اكسوم الذي حمى للدين الاسلامي حوذته في مهده يعتقد المسلمون أنه اعتنق الاسلام ومات عليه حتى صلى عليه الرسول صلاة الغائب عند وفاته وبسببه شرعت هذا النوع من الصلاة للميت الغائب .

 

ومرقد النجاشي يوجد في شمال البلاد بولاية تغراي في منطقة جبلية بالقرب من مدينة وقرو الواقعة بعيدة  من أديس ابابا بثمانمائة وخمسين كيلومتر    .

ونحن في رحلتنا للكشف عن المناطق السياحية  في جبال تغراي حطينا رحالنا في الموقع الهام في تاريخ الاسلام والمسلمين وأردنا أن ننقل للقراء مايفوح به الموقع من أبق التاريخ وعبيره .

وضريح النجاشي مكون من القباب والمسجد وقاعات لاستضافة الزائرين واستقبلنا الشيخ أدم محمد ،إمام مسجد  النجاشي وخطيبه والمشرف على الضريح على الباب ليخبرنا على ما يختزله هذا المكان من اهمية كبيرة لدى المسلمين في اثيوبيا والعالم بفضل ما يرقدون فيه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بجوار قبر اصحمة وأولياء وعلماء مسلمي الحبشة .

ورحاب مسجد النجاشي وحرم الضريح تعلوه الهيبة ويعتريه الجمال بفضل ما يرقد فيه وروعة هندسة وعمارة المسجد المزارات و وهذا المكان الذي وجد فيه المسلمون الاوائل من الرعاية والحماية وانطلقت منه الدعوة الاسلامية إلى ربوع افريقيا وهو مصدر فخر واعتزاز لمسلمي اثيوبيا وكنز لا يفرطون فيه  وعملية الترميم والتجديد يقوم بها الاتراك للموقع زاده جمالا ورونقا بالقدر الذي ينتشر من زواياه أبق التاريخ وعبيره  .

واقتربنا من الضريح أكثر فأكثر بخطى ثابتة في طريق مرسف بأحجار مزخرفة تحذوه أعمدة   يمنة ويسرة  وهي معدة لكتابة حوجز سيرة أصحمة النجاشي واصحاب الرسول الخمسة عشر  الذين يرقدون بجواره كما اخبرنا الشيخ ادم محمد  كلما اقتربنا إلى الضريح  أخذت نبضات القلب تزداد وتشتد شوقا إلى لقاء الملك العادل والمسلمين الاوائل الذين هاجروا إلى البلاد ولم يكتب لهم العودة إلى أوطانهم وتم دفنهم في هذه البقعة الطاهرة .

وعلى مشارف الضريح اعترضتنا مقابر  لعلماء مسلمي الحبشة الذين اختارو  دفن جثتهم بجوار النجاشي وأصحاب الرسول وعلى رأسهم مقبرة الشيخ محمد عبدو ووالدته الذي قام بترميم وتجديد مسجد النجاسي وضريحه في عهد الامراطور هيلسلاسي ،ـ وقريبا منه يرقد العالم الجليل الشيخ محمد مؤلف كتاب حياة المهاجرين إلى الحبشة  ومترجميه إلى اللغات المحلية  وقبر الشيخ عبد الرحمن الجبرتي الذي حدد يوم العاشوراء مزارا للنجاشي حيث يصل الحجاج الاثيوبيون في أوائل شهر المحرم إلى هذا المكان عائدين من مكة المكرمة مؤدين نسك الحج وذلك قديما عندما يحج الناس رجالا وركبانا ومبحرين بالسفن وقبل انتشار الطائرات والسيارات    ، والأمر الذي لفت انتباهنا الضريح القائم في قبة منفردة   بمعزل من ضريح النجاشي واصحاب الرسول وسألنا عنه وأجابنا الشيخ آدم محمد قائلا إنه مقبرة الصحابي الجليل عدي ابن نضلة اول موروث في الاسلام أي ما نزلت بسسبه اية الارث .

وتم فتح ضريح النجاشي على مصرعيه وسمح لنا بالدخول  واستقبلنا العطر المنتشر في زوايا البيت وأرجائه  ليجدد الروح والنفس معا ها هو مقبرة النجاشي وبجواره يرقد اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إنه في غاية الروعة والجمال وغاية الروحانية والايمان مشهد يأسر القلوب ويحكى التضحيات التي بذلت من أجل نشر الاسلام ودعوته ودور النجاشي في حماية الدعوة الاسلامية في مهدها ورعاية المسلمين  في صدر الاسلام  عندما تعرضوا  لأبشع الظلم والاظطهادات وصنوف التعذيب والاذى من الاهالى والأقرباء  فعلا إنه ملك عادل .

خارج هرم المزار هناك مسجد  اثري يستخدمه سكان المنطقة والزائرون  للصلاة حيث تم تجديده وترميمه عدة مرات والقديم الحديث من عملية الترميم ما تم بتمويل  الشيخ محمد على العمودي رجل الاعمال السعودي .

وبجوار المسجد قاعات مستطيلة لاستضافة زوار  الضريح وخاصة القادمين يوم العاشوراء حيث يتجمع عشرات الاف من المسلمين من انحاء اثيوبيا للاحتفال بحضرة الضريح الذي عينه الشيخ عبد الرحمن الجبرتي يوما لزيارة النجاشي تسهيلا للحجاج العائدين من مكة المكرمة وجمعا بين الحسنيين حيث تصادف  عودتهم العاشر من شهر محرم قاطعين بحر الاحمر بالسفن والقوارب  مرورا بميناء مصوع . 

وتعمل الحكومة الاثيوبية وخاصة وزارة السياحة والثقافة بالتعاون مع المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية لجعل مسجد النجاشي وضريحه  ممرا للحجاج الاثيوبين والافارقة والاتراك من خلال استخدام مطار ألولا ابا نجا في مدينة مقلي القريبة من الموقع حيث تسعى الحكومة في توفير المقومات السياحية للزائرين في طريقهم إلى الحاج أو عودتهم منه .

رغم المساعي الحكومية والجهات المعنية الأخرى لتحقيق هذا الهدف لم يكن هناك نتائج مثمرة ، لان الموقع لم يتم الترويج له وتعريفه بشكل جيد في المنابر والمنصات المختلفة ولم يتوفر فيه بنى تحتية كافية لجذب السياح .

ولتحويل الخطة إلى أرض الواقع بدأت الحكومة التركية بالتعاون مع أصحاب المصالح بتوسيعة هذا الموقع التاريخي  وبنائه بشكل يليق به ويكون لديه قدرة استضافة سياح وزوار اجانب حيث تتم عملية التوسعة على ثلاث مراحل واوشكت المرحلة الاولى على الانتهاء التى تشمل ترميم وتجديد المسجد والاضرحة والقاعات لتشمل المرحلة القادمة من التوسعة بناء مرافق مختلفة من المدارس والمستشفيات ومراكز التعليم والمتحف والبنى التحتية ذات الصلة وسكن لأهالي المنطقة الذين سيتم إجلائهم بهدف التوسعة . بالاضافة إلى ما يقوم به رجال الاعمال الاثيوبيون والاجانب لإقامة فنادق دولية ذات اجنحة ومقصورات عالية الجودة .